فصل: استيلاء محمود بن سبكتكين صاحب خراسان على بلاد الري والجيل وأصفهان.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.شغب الأتراك على جلال الدولة.

ولما استقل جلال الدولة بملك بغداد كثر جنده من الأتراك واتسعت أرزاقهم من الديوان وكان الوزير أبو علي بن ماكولا فطالبوه بأرزاقهم فعجز عنها وأخرج جلال الدولة صياغات وباعها وفرقها في الجند ثم ثاروا عليه وطالبوه بأرزاقهم وحصروه في داره حتى فقد القوت والماء وسأل الإنزال إلى البصرة وخرج بأهله ليركب السفن إلى البصرة وقد ضرب سرادقا على طريقهم ما بين داره والسفن فقصد الأتراك السرادق فامتعض جلال الدولة لحريمه ثم نادى في الناس وخرج الجند ونادوا بشعاره ثم شغبوا عليه بعد أيام قلائل في طلب أرزاقهم واضطر جلال الدولة إلى بيع ملبوسه وفرشه وخيامه وفرق أثمانها فيهم وعزل جلال الدولة وزيره أبا علي واستوزر أبا طاهر ثم عزله بعد أربعين يوما وولى سعيد بن عبد الرحيم وذلك سنة تسع عشرة وأربعمائة.

.استيلاء أبي كليجار على البصرة ثم على كرمان.

ولما أصعد جلال الدولة إلى بغداد استخلف على البصرة ابنه الملك العزيز أبا منصور وكان بين الأتراك وبين الديلم من الفتنة ما ذكرناه فتجددت بينهم الفتنة فغلب الأتراك وأخرجوا الديلم إلى الأبلة مع بختيار بن علي فسار إليهم الملك العزيز ليرجعهم فحاربوه ونادوا بشعار أبي كليجار بن سلطان الدولة وهو بالأهواز فعاد منهزما ونهب الديلم الأبلة ونهب الأتراك البصرة.
وبلغ الخبر إلى أبي كليجار فبعث من الأهواز عسكرا إلى بختيار والبصرة والديلم فقاتلوا الملك العزيز وأخرجوه فلحق بواسط وملكوا البصرة ونهبوا أسواقها سنة تسع عشرة وأربعمائة وهم جلال الدولة بالمسير إليهم وطلب المال للجند وشغل بمصادرة أرباب الأموال وبلغ خبر استيلاء أبي كليجار على البصرة إلى كرمان وكان بها عمه قوام الدولة أبو الفوارس وقد تجهز لقصد بلاد فارس فأدركه أجله فمات فنادى أصحابه بشعار أبي كليجار واستدعوه فسار ملك بلاد كرمان وكان أبو الفوارس سيئ السيرة في رعيته وأصحابه.

.قيام بني دبيس بدعوة أبي كليجار.

كانت جزيرة بني دبيس بنواحي خوزستان لطراد بن دبيس وغلب عليه فيها منصور وخطب فيها لأبي كاليجار ومات طراد فسار إلى منصور ابنه علي واستنجد جلال الدولة عليه فأمده بعسكر من الأتراك وسار عجلا واتفق أن أبا صالح كوكين هرب من جلال الدولة إلى أبي كليجار فأراد أن يفتتح طاعته باعتراض أصحاب جلال الدولة فسار إلى منصور بالجزيرة وخرجوا لقتال علي بن طراد ولقوه بمبرود فهزموه وقتلوه واستقر منصور الجزيرة على طاعة أبي كليجار.

.استيلاء أبي كليجار على واسط ثم انهزامه وعودها لجلال الدولة.

ثم إن نور الدولة دبيس على صاحب حلب والنيل خطب لأبي كليجار في أعماله لما بلغه أن ابن عمه المقلد بن الحسن ومنيع بن حسان أمير خفاجة سارا مع عساكر بغداد إليه فخطب هو لأبي كليجار واستدعاه فسار من الأهواز إلى واسط وقد كان لحق بها الملك العزيز بن جلال الدولة ومعه جماعة من الأتراك فلما وصل أبو كليجار فارقها الملك العزيز إلى النعمانية واستولى أبو كليجار على واسط ووفد عليه دبيس وبعث إلى قرواش صاحب الموصل والأثير عنبر عنده وأمرهما أن ينحدرا إلى العراق فانحدرا ومات الأثير عنبر بالكحيل ورجع قرواش وجمع جلال الدولة العساكر واستنجد أبا الشوك وغيره وسار إلى واسط وضاقت عليه الأمور لقلة المال.
وأشار عليه أصحابه بمخالفة أبي كليجار إلى الأهواز لأخذ أمواله وأشار أصحاب أبي كليجار بمخالفة جلال الدولة إلى العراق وبينما هم في ذلك جاءهم الخبر من أبي الشوك بمسير عساكر محمود بن سبكتكين إلى العراق ويشير باجماع الكلمة.
وبعث أبو كليجار بكتابه إلى جلال الدولة فلم يعرج عليه وسار إلى الأهواز ونهبها وأخذ من دار الإمارة خاصة مائتي ألف دينار سوى أموال الناس وأخذت والدة أبي كليجار وبناته وعياله وحملن إلى بغداد وسار جلال الدولة لاعتراضه وتخلف عنه دبيس بن مزيد خشية على أحيائه من خفاجة والتق أبو كليجار وجلال الدولة في ربيع سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فاقتتلوا ثلاثا ثم انهزم أبو كليجار وقتل من أصحابه نحو من ألفين ورجع إلى الأهواز وأتاه العادل بن مافنة بمال أنفقه في جنده ورجع جلال الدولة إلى واسط واستولى عليها وأنزل ابنه العزيز بها ورجع.

.استيلاء محمود بن سبكتكين صاحب خراسان على بلاد الري والجيل وأصفهان.

كان مجد الدولة بن فخر الدولة متشاغلا بالنساء والعلم وتدبير ملكه لأمه وتوفيت سنة تسع عشرة وأربعمائة فاختلفت أحواله وطمع فيه جنده فكتب إلى محمود بن سبكتكين يشكو إليه فبعث إليه عسكرا مع حاجبه وأمره بالقبض عليه فركب مجد الدولة لتلقيه فقبض عليه وعلى ابنه أبي دلف وطير بالخبر إلى محمود فجاء إلى الري ودخلها في ربيع الآخر سنة عشرين وأربعمائة وأخذ منها مال مجد الدولة ألف ألف دينار ومن الجواهر قيمة خمسمائة ألف دينار وستة آلاف ثوب ومن الحرير والآلات مالا يحصى وبعث بمجد الدولة إلى خراسان فاعتقل بها ثم ملك قزوين وقلاعها ومدينة ساوة وآوة ويافت وقبض على صاحبها ولكين وبعث به إلى خراسان وقتل من الباطنية خلقا ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والاعتزال والنجامة وملك حدود أرمينية وخطب له علاء الدولة بن كاكويه بأصفهان واستخلف على الري ابنه مسعودا فافتتح زنجان وأبهر ثم ملك أصفهان من يد علاء الدولة واستخلف عليها بعض أصحابه فثار به أهل أصفهان وقتلوه فسار إليها وفتك فيهم يقال قتل منهم خمسة آلاف قتيل وعاد إلى الري فأقام بها.